كتاب: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين **


تابع

واختلفوا هل يقدر الإنسان في الوقت الأول أن يفعل في الثاني أشياء متضادة أو شيئين‏:‏ فقال بعضهم‏:‏ إنما يقدر أن يفعل في الثاني شيئاً إن يرد ذلك الشيء فهو قادر على شيئين في الثاني متضادين على البدل فقط‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ هو قادر في حال حدوث القدرة أن يفعل أشياء متضادة في الوقت الثاني على البدل‏.‏

واختلفت المعتزلة هل يقدر الإنسان على حركة في الثاني أو على حركات‏:‏ فزعم أبو الهذيل أنه يقدر على حركة في الثاني وسكون على البدل فإن فعل الحركة في الثاني وفعل معها كوناً يمنة كانت حركة يمنة وكذلك إن فعل معها كوناً يسرة كانت حركة يسرة وكذلك القول في سائر الأكوان‏.‏

وقال غيره‏:‏ الإنسان يقدر على حركات في الثاني متضادات وسكون على البدل وزعم صاحب هذا القول أن الحركة ضرب من الأكوان وهي يمنة ضد الحركة يسرة‏.‏

واختلفت المعتزلة هل القدرة التي يكون بها الكلام باللسان هي التي يكون بها المشي بالرجل أم لا على مقالتين‏:‏ فقال قوم‏:‏ القدرة التي يكون بها الكلام باللسان هي التي بها يكون المشي بالرجل ومحلهما واحد وإنما امتنع الكلام بالرجل لاختلاف الموانع‏.‏

وقال قوم‏:‏ القدرة على الكلام غير القدرة على المشي ومحل كل قدرة غير محل القدرة الأخرى فقدرة المشي في الرجل وقدرة الإرادة في القلب وقدرة النظر في العين‏.‏

واختلف الذين قالوا بتغاير القدرة على الإرادة والمشي والكلام هل القدرة على ذلك جنس واحد أم لا على مقالتين‏:‏ فقال قائلون‏:‏ كلها من جنس واحد وقد يجوز أن تكون قدرة الكلام من جنس قدرة المشي وإن لم يتجانس المقدور عليه‏.‏

وحكى برغوث أن قوماً ممن زعم أن الاستطاعة قبل الفعل وأنها تنفى وتحدث لكل فعل قبله قالوا أنه تحدث في الإنسان قبل كل فعل استطاعات بعدد هذا الفعل وعدد كل ترك له فإذا فعل الفعل الواحد بطلت كلها وحدثت استطاعات لفعل آخر ولتركه أو عجز ينفيها‏.‏

واختلفوا في فعل الخوارج في أي وقت يحدث بعد حدوث الاستطاعة على ثلاثة أقاويل‏:‏ فقال قوم‏:‏ الإنسان يقدر على الحركة في حال حدوث القدرة والحركة تقع في الحال الثانية‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ هو يقدر عليها في حال حدوث الاستطاعة وهي لا تقع إلا في الحال الثالثة لأنه لا بد من توسط الإرادة‏.‏

وقال قوم‏:‏ هو يقدر عليها في حال حدوث الاستطاعة ولم تقع إلا في الحال الرابعة لأنه لا بد بعد حال الاستطاعة من حال الإرادة وحال التمثيل ثم توجد الحركة‏.‏

واختلفت المعتزلة هل الإنسان قادر على ما لا يخطر بباله أم لا على مقالتين‏:‏ فزعم إبراهيم النظام أن الإنسان لا يقدر على ما لا يخطر بباله‏.‏

وقال سائر المعتزلة‏:‏ الإنسان قادر على ما تصلح قدرته له خطر بباله شيء من ذلك أم لم يخطر‏.‏

واختلفت المعتزلة هل يقال أن الله سبحانه قوى الكافر على الكفر أم لا على مقالتين‏:‏ فقال أكثر المعتزلة‏:‏ لا يجوز أن يقال أن الله قوى أحداً على الكفر وأقدره عليه وقال عباد أن الله قد قوى الكافر على الكفر وأقدره عليه‏.‏

واختلفوا هل يجوز أن يألم ويحس ما لا قدرة فيه‏:‏ فأنكر ذلك قوم وأجازه آخرون‏.‏

واختلفوا في الحي هل يجوز أن يكون حياً مع عدم قدرته‏:‏ فأجاز ذلك بعضهم وأنكره بعضهم‏.‏

واختلفوا هل يجوز أن يكون القادر يعجز على مقالتين‏:‏ فأنكر ذلك عباد وقال‏:‏ العاجز ميت وقال أكثر المعتزلة‏:‏ قد يكون الإنسان قادراً على أشياء عاجزاً عن أشياء‏.‏

واختلفت المعتزلة هل تكون القدرة في الإنسان ولا يقال أنه قادر‏:‏ فزعم عباد أن حال المعينة فيه قدرة ولا يقال أنه قادر وأنكر أكثر المعتزلة أن توجد قدرة لا بقادر‏.‏

واختلفت المعتزلة في الممنوع هل هو قادر أم لا على أربعة أقاويل‏:‏ فقال قائلون‏:‏ إذا منع الإنسان من المشي بالقيد ومن الخروج من البيت بغلق الباب فهو قادر على وقال آخرون‏:‏ القدرة فيه ولكن لا نسميه قادراً على ما منع منه‏.‏

وقال قائلون‏:‏ بل نقول أنه قادر إذا حل وأطلق‏.‏

وقال جعفر بن حرب الممنوع قادر وليس يقدر على شيء كما أن المنطبق جفنه بصير ولا يبصر‏.‏

واختلفوا في الذي يقدر على حمل خمسين رطلاً ولا يقدر على حمل مائة رطل على مقالتين‏:‏ فقال قائلون‏:‏ لا بد من أن يكون فيه عجز عن حمل الخمسين الفاضلة على ما يقدر على حمله وقال قائلون‏:‏ لا عجز فيه وإنما عدم القوة على ذلك فقط‏.‏

واختلفوا هل يجوز أن يقوى الإنسان على حمل جزأين بجزء من القوة أم لا على مقالتين‏:‏ فقال قائلون‏:‏ قد يقدر بجزء من القدرة أن يحمل جزأين وأكثر من جزأين‏.‏

وقال قائلون‏:‏ لا يقدر على حمل جزء إلا بجزء واحد من القوة ولو جاز أن يقوى على جزأين بجزء من القوة لجاز أن يقوى على حمل السموات والأرضين بجزء من القوة والقائل بهذا القول الجبائي وزعم أن الإنسان يحمل جزأين من الأجزاء بجزأين من القوة وأنه إذا حمل جزأين من الأجزاء بجزأين من القوة ففيه أربعة أجزاء من الحمل‏.‏

واختلفت المعتزلة في العجز على ثلاث مقالات‏:‏ فقال الأصم‏:‏ إنما هو العاجز وليس له عجز غيره يعجز به وقال أكثر المعتزلة‏:‏ العجز غير العاجز‏.‏

وقال عباد‏:‏ العجز غير الإنسان ولا أقول غير العاجز لأن قولي عاجز خبر عن إنسان وعجز‏.‏

واختلفوا هل العجز عجز عن شيء أم لا على مقالتين‏:‏ فزعم عباد أن العجز لا يقال أنه عجز عن شيء وأن القوة لا تكون قوة لا على شيء وقال أكثر المعتزلة‏:‏ العجز عجز عن الفعل‏.‏

واختلف الذين أثبتوا العجز عجزاً عن الفعل هل هو عجز عنه في حاله أو في حال ثانية على ثلاثة أقاويل‏:‏ فقال قائلون‏:‏ الإنسان يعجز عن الفعل في الثاني والعجز لا ينفي الفعل في حال حدوثه بل قد يكون مجامعاً له وهو عجز عن غيره‏.‏

وقال آخرون‏:‏ العجز وإن كان عجزاً عن الفعل في الثانية فإن الفعل ينتفي في حال العجز لا للعجز ولكن للضرورة المجامعة له‏.‏

وقال آخرون‏:‏ العجز ينفي الفعل في حاله ومحال وجود الفعل مع العجز‏.‏

وأجمع القائلون‏:‏ إن العجز عجز عن شيء من المعتزلة أن العجز يكون عجزاً عن أفعال كثيرة‏.‏

وأجمع أكثر المعتزلة على أن الأمر بالفعل قبله وأنه لا معنى للأمر به في حاله لأنه موجود واختلفوا هل يبقى الأمر إلى حال الفعل على مقالتين‏:‏ فقال بعضهم أنه يبقى إلى أجل الفعل وأنه يكون في حال الفعل ولا يكون أمراً به وأحال بعضهم أن يبقى الأمر‏.‏

واختلفوا هل يجوز أن يؤمر بالصلاة قبل دخول وقتها أم لا على مقالتين‏:‏ فأجاز ذلك بعضهم وأنكره بعضهم‏.‏

واختلفوا هل يجوز أن يأمر الله سبحانه بالفعل في الوقت الثاني وهو يعلم أنه يحول بين الإنسان وبين الفعل على ثلاثة أقاويل‏:‏ فقال بعضهم‏:‏ يجوز أن يأمر الله بذلك وإن كان يعلم أنه يحول بين العباد وبينه في الثاني لأنه إنما يقول له‏:‏ افعل إن لم نحل بينك وبين الفعل ويجوز أن يقدر على الفعل في الثاني وإن كان يحال بينه وبينه في الثاني‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ لن يجوز ذلك في الأمر ولا في القدرة‏.‏

واختلفوا فيمن علم الله أنه لا يؤمن‏:‏ فقالت المعتزلة إلا علياً الأسواري أنه مأمور بالإيمان قادر عليه‏.‏

وقال علي الأسواري‏:‏ إذا قرن الإيمان إلى العلم بأنه لا يكون أحلت القول بأن الإنسان مأمور به أو قادر عليه وإذا أفرد كل قول من صاحبه فقلت هل أمر الله سبحانه الكافر بالإيمان وأقدره عليه ونهى المؤمن عن الكفر قلت نعم‏.‏

وأجمعت المعتزلة على أن الشيء إذا وجد فوجود ضده في تلك الحال محال وقال أكثرهم أن الكافر تارك للإيمان في حال ما هو كافر وأحالوا جميعاً البدل في الموجود واختلفوا هل يقال‏:‏ لو كان الشيء في حال كون ضده أم لا يقال‏.‏

فقال جعفر بن حرب والإسكافي‏:‏ قد يقال‏:‏ لو كان الكفار آمنوا في حال كفرهم بدلاً من كفرهم الواقع لكان خيراً لهم ولا نقول أنه يجوز أن يؤمنوا في حال كفرهم على وجه من الوجوه كما نقول في الكفر الماضي‏:‏ لو كان هذا الكافر آمن أمس بدلاً من كفره لكان خيراً له ولا يجوز الإيمان بدلاً من الكفر الماضي‏.‏

وأحال غيرهم من المعتزلة أن يقال‏:‏ لو كان الشيء على معنى لو كان وقد كان ضده‏.‏

فقالوا جميعاً إلا الجبائي أنه قد يجوز أن يكون الشيء في الوقت الثاني بدلاً من ضده وإن كان ضده مما يكون في الثاني وإذا أجزنا ذلك فإنما نجيز البدل مما لم يكن وقالوا‏:‏ جائز أن يترك في الوقت الثاني قبل مجيء الوقت ما علم الله سبحانه أنه يكون في الوقت ولو كان ذلك مما يترك لم وقال الجبائي‏:‏ ما علم الله أنه يكون في الوقت الثاني أو في وقت من الأوقات وجاءنا الخبر بأنه يكون فلسنا نجيز تركه على وجه من الوجوه لأن التجويز لذلك هو الشك والشك في أخبار الله كفر وقال‏:‏ ما علم الله سبحانه أنه يكون فمستحيل قول القائل لو كان مما يترك لم يكن العلم سابقاً بأنه يكون وقد شرحنا قوله في ذلك قبل هذا الموضع‏.‏

وأجاز أكثر المعتزلة أن لا يكون ما أخبر الله أنه يكون وعلم أنه يكون بأن لا يكون كان علم وأخبر أنه يكون‏.‏

واختلفت المعتزلة هل يقال أن الله خلق الشر والسيئات أم لا على مقالتين‏:‏ فقالت المعتزلة كلها إلا عباداً أن الله يخلق الشر الذي هو مرض والسيئات التي هي عقوبات وهو شر في المجاز وسيئات في المجاز‏.‏

وأنكر عباد أن يخلق الله سبحانه شيئاً نسميه شراً أو سيئة في الحقيقة‏.‏

واختلفوا في اللطف على أربعة أقاويل‏:‏ فقال بشر بن المعتمر ومن قال بقوله‏:‏ عند الله سبحانه لطف لو فعله بمن يعلم أنه لا يؤمن لآمن وليس يجب على الله سبحانه فعل ذلك ولو فعل الله سبحانه ذلك اللطف فآمنوا عنده لكانوا يستحقون من الثواب على الإيمان الذي يفعلونه عند وجوده ما يستحقونه لو فعلوه مع عدمه وليس على الله سبحانه أن يفعل بعباده أصلح الأشياء بل ذلك محال لأنه لا غاية ولا نهاية لما يقدر عليه من الصلاح وإنما عليه أن يفعل بهم ما هو أصلح لهم في دينهم وأن يزيح عللهم فيما يحتاجون إليه لأداء ما كلفهم وماتيسر عليهم مع وجوده العمل بما ليس هم به وقد فعل ذلك بهم وقطع مننهم‏.‏

وكان جعفر بن حرب يقول أن عند الله لطفاً لو أتى به الكافرين لآمنوا اختياراً إيماناً لا يستحقون عليه من الثواب ما يستحقونه مع عدم اللطف إذا آمنوا والأصلح لهم ما فعل الله بهم لأن الله لا يعرض عباده إلا لأعلى المنازل وأشرفها وأفضل الثواب وأكثره وذكر عنه أنه رجع عن هذا القول إلى قول أكثر أصحابه‏.‏

وقال جمهور المعتزلة‏:‏ ليس في مقدور الله سبحانه لطف لو فعله بمن علم أنه لا يؤمن آمن عنده وأنه لا لطف عنده لو فعله بهم لآمنوا فيقال يقدر على ذلك ولا يقدر عليه وأنه لا يفعل بالعباد كلهم إلا ما هو أصلح لهم في دينهم وأدعى لهم إلى العمل بما أمرهم به وأنه لا يدخر عنهم شيئاً يعلم أنهم يحتاجون إليه في أداء ما كلفهم أداءه إذا فعل بهم أتوا بالطاعة التي يستحقون عليها ثوابه الذي وعدهم وقالوا في الجواب عن مسألة من سألهم هل يقدر الله سبحانه أن يفعل بعباده أصلح مما فعله بهم‏:‏ إن أردت أنه يقدر على أمثال الذي هو أصلح فالله يقدر على أمثاله على ما لا غاية له ولا نهاية وإن أردت يقدر على شيء أصلح من هذا أي يفوقه في الصلاح قد ادخره عن عباده فلم يفعله بهم مع علمه بحاجتهم إليه في أداء ما كلفهم فإن أصلح الأشياء هو الغاية ولا شيء يتوهم وراء الغاية فيقدر عليه أو يعجز عنه‏.‏

وقال محمد بن عبد الوهاب الجبائي‏:‏ لا لطف عند الله سبحانه يوصف بالقدرة على أن يفعله بمن علم أنه لا يؤمن فيؤمن عنده وقد فعل الله بعباده ما هو أصلح لهم في دينهم ولو كان في معلومه شيء يؤمنون عنده أو يصلحون به ثم لم يفعله بهم لكان مريداً لفسادهم غير أنه يقدر أن يفعل بالعباد ما لو فعله بهم ازدادوا طاعة فيزيدهم ثواباً وليس فعل ذلك واجباً عليه ولا إذا تركه كان عابثاً في الاستدعاء لهم في الإيمان‏.‏

واختلفوا في الألم واللذة على مقالتين‏:‏ فقال قوم‏:‏ لن يجوز أن يؤلم الله سبحانه أحداً بألم تقوم اللذة في الصلاح مقامه وقال قوم‏:‏ يجوز ذلك‏.‏

واختلفوا هل كان يجوز أن يبتدئ الله الخلق في الجنة ويتفضل عليهم باللذات دون الأذوات ولا يكلفهم شيئاً على مقالتين‏:‏ فقال أكثر المعتزلة لن يجوز ذلك لأن الله سبحانه لا يجوز عليه في حكمته أن يعرض عباده إلا لأعلى المنازل وأعلى المنازل منزلة الثواب وقال‏:‏ لا يجوز أن لا يكلفهم الله المعرفة ويستحيل أن يكونوا إليها مضطرين فلو لم يكونوا بها مأمورين لكان الله قد أباح لهم الجهل به وذلك خروج من الحكمة‏.‏

وقال قائلون‏:‏ كان جائزاً أن يبتدئ الله سبحانه الخلق في الجنة ويبتدئهم بالتفضل ولا يعرضهم لمنزلة الثواب ولا يكلفهم شيئاً من المعرفة ويضطرهم إلى معرفته وهذا قول الجبائي وغيره‏.‏

واختلفت المعتزلة في لعن الله الكفار في الدنيا على مقالتين‏:‏ فقال أكثرهم‏:‏ ذلك عدل وحكمة وخير وصلاح للكفار لأن فيه زجراً لهم عن المعصية وغلوا في ذلك حتى زعموا أن عذاب جهنم في الآخرة نظر للكافرين في الدنيا ورحمة لهم بمعنى أن ذلك نظر لهم إذا كان قد زجرهم بكون ذلك في الآخرة عن معاصيه في الدنيا واستدعاء لهم إلى طاعته وهذا قول الإسكافي‏.‏

وقال قائلون منهم‏:‏ ذلك عدل وحكمة ولا نقول هو خير وصلاح ونعمة ورحمة‏.‏

واختلفت المعتزلة في الصلاح الذي يقدر الله عليه هل له كل أم لا كل له على ثلاثة أقاويل‏:‏ فقال أبو الهذيل‏:‏ لما يقدر الله من الصلاح والخير كل وجميع وكذلك سائر مقدوراته لها كل ولا صلاح أصلح مما فعل‏.‏

وقال غيره‏:‏ لا غاية لما يقدر الله عليه من الصلاح ولا كل لذلك وقالوا أن الله يقدر على صلاح لم يفعله إلا أنه مثل ما فعله‏.‏

وقال قائلون‏:‏ كل ما يفعله يجوز ولا يجوز أن يكون صلاح لا يفعله وهذا قول عباد‏.‏

وقال قائلون‏:‏ فيما يقدر الله أن يفعله بعباده شيء أصلح من شيء وقد يجوز أن يترك فعلاً هو صلاح إلى فعل آخر وهو صلاح يقوم مقامه‏.‏

واختلفت المعتزلة فيمن علم الله أن يؤمن من الأطفال والكفار أو يتوب من الفساق هل يجوز أن يميته قبل ذلك على مقالتين‏:‏ فقال قائلون‏:‏ لا يجوز ذلك بل واجب في حكمة الله أن لا يميتهم حتى يؤمنوا أو يتوبوا‏.‏

وأجاز بشر بن المعتمر وغيره أن يميتهم قبل أن يؤمنوا أو يتوبوا‏.‏

واختلفوا فيمن علم الله سبحانه أنه يزداد إيماناً خل يجوز أن يخترمه على مقالتين‏:‏ فقال قوم من أصحاب الصلح‏:‏ لا يجوز ذلك وقالوا في النبي صلى الله عليه وسلم أن الله امتحنه قبل موته بما بلغ ثوابه على طاعته إياه قبل مبلغ ثوابه على طاعاته إياه لو أبقاه إلى يوم القيامة وجعل في هذه المحنة إعلامه أنه يموت في الوقت الذي مات فيه‏.‏

وقال قوم منهم أن ذلك جائز‏.‏

وأجمعت المعتزلة على أن الله سبحانه خلق عباده لينفعهم لا ليضرهم وأن ما كان من الخلق غير مكلف فإنما خلقه لينتفع به المكلف ممن خلق وليكون عبرة لمن يخلقه ودليلاً واختلفوا في خلق الشيء لا ليعتبر به على مقالتين‏:‏ فقال أكثرهم‏:‏ لن يجوز أن يخلق الله سبحانه الأشياء إلا ليعتبر بها العباد وينتفعوا بها ولا يجوز أن يخلق شيئاً لا يراه أحد ولا يحس به أحد من المكلفين‏.‏

وقال بعضهم ممن ذهب إلى أن الله عز وجل لم يأمر بالمعرفة إن جميع ما خلقه الله فلم يخلقه ليعتبر به أحد ويستدل به أحد وهذا قول ثمامة بن أشرس فيما أظن‏.‏

واختلفوا فيمن قطعت يده وهو مؤمن ثم كفر ومن قطعت يده وهو كافر ثم آمن على ثلاثة أقاويل‏:‏ فقال قوم أنه يبدل يداً أخرى لا يجوز غير ذلك‏.‏

وقال قائلون لو أن مؤمناً قطعت يده فأدخل النار لبدلت يده المقطوعة في حال إيمانه وكذلك الكافر إذا قطعت يده ثم آمن لأن الكافر والمؤمن ليس هما اليد والرجل‏.‏

وقال قائلون‏:‏ توصل يد المؤمن الذي كفر ومات على الكفر بكافر قطعت يده وهو كافر ثم آمن ثم مات على إيمانه وتوصل يد الكافر الذي قطعت يده وهو كافر ثم آمن ثم مات على إيمانه واختلفت المعتزلة هل خلق الله سبحانه الخلق لعلة أم لا على أربعة أقاويل‏:‏ فقال أبو الهذيل‏:‏ خلق الله عز وجل خلقه لعلة والعلة هي الخلق والخلق هو الإرادة والقول وأنه إنما خلق الخلق لمنفعتهم ولولا ذلك كان لا وجه لخلقهم لأن من خلق ما لا ينتفع به ولا يزيل بخلقه عنه ضرراً ولا ينتفع به غيره ولا يضر به غيره فهو عابث‏.‏

وقال النظام‏:‏ خلق الله الخلق لعلة تكون وهي المنفعة والعلة هي الغرض في خلقه لهم وما أراد من منفعتهم ولم يثبت علة معه لها كان مخلوقاً كما قال أبو الهذيل بل قال‏:‏ هي علة تكون وهي الغرض‏.‏

وقال معمر‏:‏ خلق الله الخلق لعلة والعلة لعلة وليس للعلل غاية ولا كل‏.‏

وقال عباد خلق الله سبحانه الخلق لا لعلة‏.‏

واختلفت المعتزلة في إيلام الأطفال على ثلاثة أقاويل‏:‏ فقال قائلون‏:‏ الله يؤلمهم لا لعلة ولم يقولوا أنه يعوضهم من إيلامه إياهم وأنكروا ذلك وأنكروا أن يعذبهم في الآخرة‏.‏

وقال أكثر المعتزلة أن الله سبحانه يؤلمهم عبرة للبالغين ثم يعوضهم ولولا أنه يعوضهم لكان إيلامه إياهم ظلماً‏.‏

وقال أصحاب اللطف أنه آلمهم ليعوضهم وقد يجوز أن يكون إعطاؤه إياهم ذلك العوض من غير ألم أصلح وليس عليه أن يفعل الأصلح‏.‏

واختلفوا هل يجوز أن يبتدئ الله سبحانه الأطفال بمثل العوض من غير ألم أم لا على مقالتين‏:‏ فأجاز ذلك بعض المعتزلة وأنكره بعضهم‏.‏

واختلفوا في العوض الذي يستحقه الأطفال هل هو عوض دائم أم لا على مقالتين‏:‏ فقال قائلون‏:‏ الذي يستحقونه من العوض الدائم‏.‏

وقال قائلون‏:‏ إدامة العوض تفضل وليس باستحقاق‏.‏

وأجمعت المعتزلة على أنه لا يجوز أن يؤلم الله سبحانه الأطفال في الآخرة ولا يجوز أن يعذبهم‏.‏

واختلفوا في عوض البهائم على خمسة أقاويل‏:‏ فقال قوم أن الله سبحانه يعوضها في المعاد وأنها تنعم في الجنة وتصور في أحسن الصور فيكون نعيمها لا انقطاع له‏.‏

وقال قوم‏:‏ يجوز أن يعوضها الله سبحانه في دار الدنيا ويجوز أن يعوضها في الموقف ويجوز أن يكون في الجنة على ما حكينا عن المتقدمين‏.‏

وقال جعفر بن حرب والإسكافي‏:‏ قد يجوز أن تكون الحيات والعقارب وما أشبهها من الهوام والسباع تعوض في الدنيا أو في الموقف ثم تدخل جهنم فتكون عذاباً على الكافرين والفجار ولا ينالهم من ألم جهنم شيء كما لا ينال خزنة جهنم‏.‏

وقال قوم‏:‏ قد نعلم أن لهم عوضاً ولا ندري كيف هو‏.‏

وقال عباد أنها تحشر وتبطل‏.‏

واختلف الذين قالوا بإدامة عوضها على مقالتين‏:‏ فقال قوم أن الله يكمل عقولهم حتى يعطوا دوام عوضهم لا يؤلم بعضهم بعضاً وقال قوم‏:‏ بل تكون على حالها في الدنيا‏.‏

واختلفوا في الاقتصاص لبعضها من بعض على ثلاثة أقاويل‏:‏ فقال قائلون‏:‏ يقتص لبعضها من بعض في الموقف وأنه لا يجوز إلا ذلك وليس يجوز الاقتصاص والعقوبة بالنار ولا بالتخليد في العذاب لأنهم ليسوا بمكلفين وقال قوم‏:‏ لا قصاص بينهم‏.‏

وقال قوم أن الله سبحانه يعوض البهيمة لتمكينه البهيمة التي جنت عليها ليكون ذلك العوض عوضاً لتمكينه إياها منها هذا قول الجبائي‏.‏

واختلفوا فيمن دخل زرعاً لغيره على مقالتين‏:‏ فقال أبو شمر وهو يوافقهم في التوحيد والقدر‏:‏ إذا دخل الرجل زرعاً لغيره فحرام عليه أن يقف فيه أو يتقدم أو يتأخر فإن تاب وندم فليس يمكنه إلا أن يكون عاصياً لله عز وجل وأنه ملوم على ذلك وقال غيره‏:‏ الواجب عليه إذا ندم أن يخرج منه ويضمن جميع ما استهلك‏.‏

واختلفوا في نعيم الجنة هل هو تفضل أو ثواب على مقالتين‏:‏ فقال قائلون‏:‏ كل ما في الجنة ثواب ليس بتفضل‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ بل ما فيها تفضل ليس بثواب‏.‏

القول في الآجال‏:‏ اختلفت المعتزلة في ذلك على قولين‏:‏ فقال أكثر المعتزلة‏:‏ الأجل هو الوقت الذي في معلوم الله سبحانه أن الإنسان يموت فيه أو يقتل فإذا قتل قتل بأجله وإذا مات مات بأجله وشذ قوم من جهالهم فزعموا أن الوقت الذي في معلوم الله سبحانه أن الإنسان لو لم يقتل لبقي إليه هو أجله دون الوقت الذي قتل فيه‏.‏

واختلف الذين زعموا أن الأجل هو الوقت الذي في معلوم الله سبحانه أن الإنسان يموت فيه أو يقتل في المقتول الذي لو لم يقتل هل كان يموت أم لا على ثلاثة أقاويل‏:‏ فقال بعضهم‏:‏ إن الرجل لو لم يقتل مات في ذلك الوقت وهذا قول أبي الهذيل‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ يجوز لو لم يقتله القاتل أن يموت ويجوز أن يعيش وأحال منهم محيلون هذا القول‏.‏

قالت المعتزلة أن الأجسام الله خالقها وكذلك الأرزاق وهي أرزاق الله سبحانه فمن غصب إنساناً مالاً أو طعاماً فأكله أكل ما رزق الله غيره ولم يرزقه إياه وزعموا بأجمعهم أن الله سبحانه لا يرزق الحرام كما لا يملك الله الحرام وأن الله سبحانه إنما رزق الذي ملكه إياهم دون الذي غصبه‏.‏

وقال أهل الإثبات‏:‏ الأرزاق على ضربين‏:‏ منها ما ملكه الله الإنسان ومنها ما جعله غذاءً له وقواماً لجسمه وإن كان حراماً عليه فهو رزقه إذ جعله الله سبحانه غذاءً له لأنه قوام لجسمه‏.‏

القول في الشهادة‏:‏ اختلفت المعتزلة في ذلك على أربعة أقاويل‏:‏ فقال قائلون‏:‏ هو الصبر على ما ينال الإنسان من ألم الجراح المؤدي إلى القتل والعزم على ذلك وعلى التقدم إلى الحرب وعلى الصبر على ما يصيبه وكذلك قالوا في المبطون والغريق ومن مات تحت الهدم قالوا‏:‏ وإن غوفص إنسان من المسلمين بشيء مما ذكرنا فكان عزمه على التسليم والصبر قد كان تقدم ودخل في جملة اعتقاده‏.‏

وقال قائلون‏:‏ الشهادة هي الحكم من الله سبحانه لمن قتل من المؤمنين في المعركة بأنه شهيد وتسميته بذلك‏.‏

وقال قائلون‏:‏ الشهداء هم العدول قتلوا أو لم يقتلوا وزعموا أن الله سبحانه قال‏:‏ ‏"‏ وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ‏"‏ فالشهداء هو المشاهدون لهم ولأعمالهم وهم العدول المرضيون‏.‏

القول في الختم والطبع‏:‏ اختلفت المعتزلة في ذلك على مقالتين‏:‏ فزعم بعضهم أن الختم من الله سبحانه والطبع على قلوب الكفار هو الشهادة والحكم أنهم لا يؤمنون وليس ذلك بمانع لهم من الإيمان‏.‏

وقال قائلون‏:‏ الختم والطبع هو السواد في القلب كما يقال طبع السيف إذا صدئ من غير أن يكون ذلك مانعاً لهم عما أمرهم به وقالوا‏:‏ جعل الله ذلك سمة لهم تعرف الملائكة بتلك السمة في القلب أهل ولاية الله سبحانه من أهل عداوته‏.‏

وقال أهل الإثبات‏:‏ قوة الكفر طبع وقال بعضهم‏:‏ معنى أن الله طبع على قلوب الكافرين أي خلق فيها الكفر وقالت البكرية ما سنذكره بعد هذا الموضع إن شاء الله‏.‏

القول في الهدى‏:‏ اختلفت المعتزلة هل يقال أن الله سبحانه هدى الكافرين أم لا على مقالتين‏:‏ فقال أكثر المعتزلة أن الله هدى الكافرين فلم يهتدوا ونفعهم بأن قواهم على الطاعة فلم ينتفعوا وقال قائلون‏:‏ لا نقول أن الله هدى الكافرين على وجه من الوجوه بأن بين لهم ودلهم لأن بيان الله ودعاءه هدى لمن قبل دون من لم يقبل كما أن دعاء إبليس إضلال لمن قبل دون من لم يقبل‏.‏

وقال أهل الإثبات‏:‏ لو هدى الله الكافرين لاهتدوا فلما لم يهدهم لم يهتدوا وقد يهديهم بأن يقويهم على الهدى فتسمى القدرة على الهدى هدى وقد يهديهم بأن يخلق هداهم‏.‏

واختلف الذين قالوا أن الله هدى الكافرين بأن بين لهم ودلهم وأن هذا هو الهدى العام في الهدى الذي يفعله بالمؤمنين دون الكافرين على مقالتين‏:‏ فقال قائلون‏:‏ قد نقول أن الله هدى المؤمنين بأن سماهم مهتدين وحكم لهم بذلك وقالوا‏:‏ ما يزيد الله المؤمنين بإيمانهم من الفوائد والألطاف هو هدى كما قال‏:‏ ‏"‏ والذين اهتدوا زادهم هدى ‏"‏‏.‏

وقال قائلون‏:‏ لا نقول أن الله هدى بأن سمى وحكم ولكن نقول هدى الخلق أجمعين بأن دلهم وبين لهم وأنه هدى المؤمنين بما يزيدهم من ألطافه وذلك ثواب يفعله بهم في الدنيا وأنه يهديهم في الآخرة إلى الجنة وذلك ثواب من الله سبحانه لهم كما قال‏:‏ ‏"‏ يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم ‏"‏ هذا قول الجبائي‏.‏

وزعم إبراهيم النظام أنه قد يجوز أن يسمى طاعة المؤمنين وإيمانهم بالهدى وبأنه هدى الله فيقال هذا هدى الله أي دينه‏.‏

اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقاويل‏:‏ فقال أكثر المعتزلة‏:‏ معنى الضلال من الله يحتمل أن يكون التسمية لهم والحكم بأنهم ضالون ويحتمل أن يكون لما ضلوا عن أمر الله سبحانه أخبر أنه أضلهم أي أنهم ضلوا عن دينه ويحتمل أن يكون الإضلال هو ترك إحداث اللطف والتسديد والتأييد الذي يفعله الله بالمؤمنين فيكون ترك ذلك إضلالاً ويكون الإضلال فعلاً حادثاً ويحتمل أن يكون لما وجدهم ضلالاً أخبر أنه أضلهم كما يقال أجبن فلان فلاناً إذا وجده جباناً‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ إضلال الله الكافرين هو إهلاكه إياهم وهو عقوبة منه لهم واعتل بقول الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ في ضلال وسعر ‏"‏ والسعر سعر النار وبقوله‏:‏ ‏"‏ أئذا ضللنا في الأرض ‏"‏ أي هلكنا وتفرقت أجزاؤنا‏.‏

وقال أهل الإثبات أقاويل‏:‏ قال بعضهم‏:‏ الإضلال عن الدين قوة على الكفر وقال بعضهم‏:‏ الإضلال عن الدين هو الترك هذا قول الكوساني وقال بعضهم‏:‏ معنى أضلهم أي خلق ضلالهم وامتنعت المعتزلة أن تقول أن الله سبحانه أضل عن الدين أحداً من خلقه‏.‏

القول في التوفيق والتسديد‏:‏ اختلفوا في التوفيق والتسديد على أربعة أقاويل‏:‏ فقال قائلون‏:‏ التوفيق من الله سبحانه ثواب يفعله مع إيمان العبد ولا يقال للكافر موفق وكذلك التسديد‏.‏

وقال جعفر بن حرب‏:‏ التوفيق والتسديد لطفان من ألطاف الله سبحانه لا يوجبان الطاعة في العبد ولا يضطرانه إليها فإذا أتى الإنسان بالطاعة كان موفقاً مسدداً‏.‏

وقال الجبائي‏:‏ التوفيق هو اللطف الذي في معلوم الله سبحانه أنه إذا فعله وفق الإنسان للإيمان في الوقت فيكون ذلك اللطف توفيقاً لأن يؤمن وأن الكافر إذا فعل به اللطف الذي يوفق للإيمان في الوقت الثاني فهو موفق لأن يؤمن في الثاني ولو كان في هذا الوقت كافراً وكذلك العصمة عنده لطف من ألطاف الله‏.‏

وقال أهل الإثبات‏:‏ التوفيق هو قوة الإيمان وكذلك العصمة‏.‏

القول في العصمة‏:‏ اختلفوا في العصمة فقال بعضهم‏:‏ العصمة من الله سبحانه ثواب للمعتصمين‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ العصمة لطف من الله يفعله بالعبد فيكون به معتصماً‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ العصمة على وجهين‏:‏ أحدهما هو الدعاء والبيان والزجر والوعد والوعيد وقد فعله بالكافرين ولكن لا يطلق أنه معصوم ويقال أن الله عصمه فلم يعتصم والوجه الآخر ما يزيد الله المؤمنين بإيمانهم من الألطاف والأحكام والتأييد وقد يتفاضل الناس في العصمة ويكون ضرب من العصمة إذا آتاه بعض عبيده آمن طوعاً وإذا أعطاه غيره ازداد كفراً وإذا منعه إياه أتى بكفر دون ذلك فيتفضل به على من يعلم أنه ينتفع ويمنعه من يعلم أنه يزداد كفراً قالوا وقد يجوز أن يكون شيء صلاحاً لواحد ضرراً على غيره قالوا وقد يعصم الله سبحانه من الشيء باضطرار كالعصمة من قتل نبيه صلى الله عليه وسلم‏.‏

القول في النصرة والخذلان‏:‏ قالت المعتزلة أن نصر الله المؤمنين قد يكون على معنى نصرهم بالحجة كما قال‏:‏ ‏"‏ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ‏"‏ وقد تكون النصرة بمعنى أن يزلزل أقدام الكافرين ويرعب قلوبهم فينهزموا فيكون ناصراً للمؤمنين عليهم وخاذلاً لهم بما طرحه من الرعب في قلوبهم فإن انهزم المؤمنون لم يكن ذلك بخذلان من الله سبحانه لهم بل هم منصورون بالحجة على الكافرين وإن كانوا منهزمين‏.‏

وقال أهل الإثبات‏:‏ النصر من الله ما يفعله ويقذفه في قلوب المؤمنين من الجرأة على الكافرين وقد تسمى القوة على الإيمان نصراً‏.‏

فأما الخذلان فإنهم اختلفوا فيه على ثلاثة أقاويل‏:‏ فقال بعضهم‏:‏ الخذلان هو ترك الله سبحانه أن يحدث من الألطاف والزيادات ما يفعله بالمؤمنين كنحو قوله‏:‏ ‏"‏ والذين اهتدوا زادهم هدى ‏"‏ فترك الله سبحانه أن يفعل هو الخذلان من الله للكافرين‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ الخذلان من الله سبحانه هو تسميته إياهم والحكم بأنهم مخذولون‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ الخذلان عقوبة من الله سبحانه وهو ما يفعله بهم من العقوبات‏.‏

وقال أهل الإثبات قولين‏:‏ قال بعضهم‏:‏ الخذلان قوة الكفر وقال بعضهم‏:‏ خذلهم أي خلق كفرهم‏.‏

القول في الولاية والعداوة‏:‏ اختلفت المعتزلة في ذلك على مقالتين‏:‏ فقالت المعتزلة إلا بشر بن المعتمر وطوائف منهم أن الولاية من الله سبحانه للمؤمنين مع إيمانهم وكذلك عداوته للكافرين مع كفرهم والولاية عندهم الأحكام الشرعية والمدح وأحداث الألطاف والعداوة ضد ذلك وكذلك قالوا في الرضى والسخط‏.‏

وقال بشر بن المعتمر‏:‏ الولاية والعداوة تكونان بعد حال الإيمان والكفر‏.‏

وقال قائلون منهم‏:‏ الولاية مع الإيمان والعداوة مع الكفر وهما غير الأحكام والأسماء وكذلك وقال غير المعتزلة‏:‏ الولاية والعداوة من صفات الذات وكذلك الرضى والسخط‏.‏

القول في الثواب في الدنيا‏:‏ اختلفت المعتزلة في ذلك على مقالتين‏:‏ فقال إبراهيم النظام لا يكون الثواب إلا في الآخرة وإن ما يفعله الله سبحانه بالمؤمنين في الدنيا من المحبة والولاية ليس بثواب لأنه إنما يفعله بهم ليزدادوا إيماناً وليمتحنهم بالشكر عليه‏.‏

وقال سائر المعتزلة أن الثواب قد يكون في الدنيا وأن ما يفعله الله سبحانه من الولاية والرضى على المؤمنين فهو ثواب‏.‏

واختلفت المعتزلة في الإيمان ما هو على ستة أقاويل‏:‏ فقال قائلون‏:‏ الإيمان هو جميع الطاعات فرضها ونفلها وأن المعاصي على ضربين‏:‏ منها صغائر ومنها كبائر وأن الكبائر على ضربين‏:‏ منها ما هو كفر ومنها ما ليس بكفر وأن الناس يكفرون من ثلاثة أوجه‏:‏ رجل شبه الله سبحانه بخلقه ورجل جوره في حكمه أو كذبه في خبره ورجل رد ما أجمع المسلمون عليه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم نصاً وتوقيفاً فأكفر هؤلاء من زعم أن البارئ جسم مؤلف محدود ولم يكفروا من سماه جسماً ولم يعطه معاني الأجسام وأكفروا من زعم أن الله سبحانه يرى كما ترى المرئيات بالمقابلة أو المحاذاة أو في مكان حالاً فيه دون مكان ولم يزعموا أنه يرى لا كالمرئيات وأكفروا من زعم أن الله خلق الجور وأراد السفه وكلف الزمنى والعجزة الذين فيهم العجز ثابت لأن هؤلاء بزعمهم سفهوا الله وجوروه ولم يكفروا من قصد إلى قادر على الفعل فقال قد كلفه الله سبحانه وليس بقادر لأنه قد كذب على القادر عندهم فأخبر أنه ليس بقادر ولم يكذب على الله في تكليفه إياه ولا وصفه بالعبث عندهم والقائل بهذا القول هم أصحاب أبي الهذيل وإلى هذا القول كان يذهب أبو الهذيل وحكي عنه أن الصغائر تغفر لمن اجتنب الكبائر على طريق التفضل لا على طريق الاستحقاق وزعم أن الإيمان كله إيمان بالله منه ما تركه كفر ومنه ما تركه فسق ليس بكفر كالصلاة وصيام شهر رمضان ومنه ما تركه صغير ليس بفسق ولا كفر ومنه ما تركه ليس بكفر ولا بعصيان كالنوافل‏.‏

وقال هشام الفوطي‏:‏ الإيمان جميع الطاعات فرضها ونفلها والإيمان على ضربين‏:‏ إيمان بالله وإيمان لله ولا يقال أنه إيمان بالله فالإيمان بالله ما كان تركه كفراً بالله والإيمان لله يكون تركه كفراً ويكون تركه فسقاً ليس بكفر نحو الصلاة والزكاة فذلك إيمان لله فمن تركه على الاستحلال كفر ومن تركه على التحريم كان تركه فسقاً ليس بكفر ومما هو إيمان لله عند هشام ما يكون تركه صغيراً ليس بفسق‏.‏

وقال عباد بن سليمان‏:‏ الإيمان هو جميع ما أمر الله سبحانه به من الفرض وما رغب فيه من النفل والإيمان على وجهين‏:‏ إيمان بالله وهو ما كان تاركه أو تارك شيء منه كافراً كالملة والتوحيد والإيمان لله إذا تركه تارك لم يكفر ومن ذلك ما يكون تركه ضلالاً وفسقاً ومنه ما يكون تركه صغيراً وكل أفعال الجاهل بالله عنده كفر بالله‏.‏

وقال إبراهيم النظام‏:‏ الإيمان اجتناب الكبائر والكبائر ما جاء فيه الوعيد وقد يجوز أن يكون فيما لم يجئ فيه الوعيد كبير عند الله ويجوز أن لا يكون فيه كبير وإن لم يكن فيه كبير فالإيمان اجتناب ما فيه الوعيد عندنا وعند الله سبحانه وإن كان فيما لم يجئ فيه الوعيد كبير فالتسمية له بالإيمان وبأنه مؤمن يلزم باجتناب ما فيه الوعيد عندنا فأما عند الله سبحانه فاجتناب كل كبير‏.‏

وقال آخرون‏:‏ الإيمان اجتناب ما فيه الوعيد عندنا وعند الله وهو ما يلزم به الاسم وما سوى ذلك فصغير مغفور باجتناب الكبير‏.‏

وكان محمد بن عبد الوهاب الجبائي يزعم أن الإيمان لله هو جميع ما افترضه الله سبحانه على عباده وأن النوافل ليس بإيمان وأن كل خصلة من الخصال التي افترضها الله سبحانه فهي بعض إيمان لله وهي أيضاً إيمان بالله وأن الفاسق الملي مؤمن من أسماء اللغة بما فعله من الإيمان وكان يزعم أن الأسماء على ضربين‏:‏ منها أسماء اللغة ومنها أسماء الدين فأسماء اللغة المشتقة من الأفعال تتقضى مع تقضي الأفعال وأسماء الدين يسمى بها الإنسان بعد تقضي فعله وفي حالة فعله فالفاسق الملي مؤمن من أسماء اللغة يتقضى الاسم عنه مع تقضي فعله للإيمان وليس يسمى بالإيمان من أسماء الدين وكان يزعم أن في اليهودي إيماناً نسميه به مؤمناً مسلماً من أسماء اللغة‏.‏

وكانت المعتزلة بأسرها قبله إلا الأصم تنكر أن يكون الفاسق مؤمناً وتقول أن الفاسق ليس بمؤمن ولا كافر وتسميه منزلة بين المنزلتين وتقول‏:‏ في الفاسق إيمان لا نسميه به مؤمناً وفي اليهودي إيمان لا نسميه به مؤمناً‏.‏

وكان الجبائي يزعم أن من الذنوب صغائر وكبائر وأن الصغائر يستحق غفرانها باجتناب الكبائر وأن الكبائر تحبط الثواب على الإيمان واجتناب الكبائر يحبط عقاب الصغائر وكان يزعم أن العزم على الكبير كبير والعزم على الصغير صغير والعزم على الكفر كفر وكذلك قول أبي الهذيل كان يقول في العازم أنه كالمقدم عليه‏.‏

وقال أبو بكر الأصم‏:‏ الإيمان جميع الطاعات ومن عمل كبيراً ليس بكفر من أهل الملة فهو فاسق بفعله للكبير لا كافر ولا منافق مؤمن بتوحيده وما فعل من طاعته‏.‏

وزعمت المعتزلة أن الله سمى إيماناً ما لم يكن في اللغة إيماناً‏.‏

فقال قائلون منهم‏:‏ كل ما أتى فيه الوعيد فهو كبير وكل ما لم يأت فيه الوعيد فهو صغير‏.‏

وقال قائلون‏:‏ كل ما أتى فيه الوعيد فكبير وكل ما كان مثله في العظم فهو كبير وكل ما لم يأت فيه الوعيد أو في مثله فقد يجوز أن يكون كله صغيراً ويجوز أن يكون بعضه كبيراً وبعضه صغيراً وليس يجوز أن لا يكون صغيراً ولا شيئاً منه‏.‏

وقال جعفر بم مبشر‏:‏ كل عمد كبير وكل مرتكب لمعصية متعمداً لها فهو مرتكب لكبيرة‏.‏

واختلفت المعتزلة في غفران الصغائر على ثلاثة أقاويل‏:‏ فقال قائلون أن الله سبحانه يغفر الصغائر إذا اجتنبت الكبائر تفضلاً‏.‏

وقال قائلون‏:‏ يغفر الصغائر إذا اجتنبت الكبائر باستحقاق وقال قائلون‏:‏ لا يغفر الصغائر إلا بالتوبة‏.‏

واختلفت المعتزلة هل يجوز أن يجتمع ما ليس بكبير وما ليس بكبير فيكون كبيراً على مقالتين‏:‏ فقال كثير من المعتزلة‏:‏ لا يجوز أن يجتمع ما ليس بكبير وما ليس بكبير فيكون كبيراً وليس يجوز أن يجتمع ما ليس بكفر وما ليس بكفر فيكون كفراً‏.‏

وقال الجبائي‏:‏ الصغائر تقع من مجتنبي الكبائر مغفورة ويجوز أن يجتمع ما ليس بكبير وما ليس بكبير من مجتنبي الكبائر فيكون ذلك كبيراً كالرجل يسرق درهماً ثم درهماً حتى يكون سارقاً لخمسة دراهم يسرقها درهماً درهماً قد يجوز أن يكون سرقه كل درهم على انفراده صغيراً فإذا اجتمع ذلك كان كبيراً‏.‏

وقال غيره من المعتزلة‏:‏ إن لم يكن سرقه كل درهم على انفراده كبيراً فليس ذلك إذا اجتمع كبيراً ولكن الذنب الكبير منعه الخمسة دراهم‏.‏

واختلفت المعتزلة في التائب يتوب من الذنب ثم يعود إليه هل يؤخذ به على مقالتين‏:‏ فقال قائلون‏:‏ يؤخذ بالذنب الذي تاب منه إذا عاد إليه‏.‏

وقال قائلون‏:‏ لا يؤخذ بما سلف لأنه قد تاب منه‏.‏

واختلفوا في آخذ الدرهم وسارقه من حرز هل يفسق أم لا على مقالتين‏:‏ فزعم أبو الهذيل أنه فاسق لأنه قد أباح يده فقهاء من فقهاء المسلمين ولم يفسقه غيره من المعتزلة إلا جعفر بن مبشر إذا اعتمد ذلك‏.‏

واختلفوا في خائن درهم فصاعداً على خمسة أقاويل‏:‏ فزعم جعفر بن مبشر أن مرتكب معصية متعمداً لها فاسق وإن كانت سرقة درهم أو أقل أو أكثر وأي معصية كانت‏.‏

وقال الجبائي‏:‏ من عزم أن يخون في درهم وثلثين في الوقت الثاني من حال عزمه ثم جاء الوقت الثاني فأراد ذلك وفعله فسق لأن العزم على ذلك كفعل المعزوم عليه والإرادة لأخذ الدرهم وثلثين كأخذ الدرهم وثلثين فإذا اجتمع ذلك فهو كخائن خمسة دراهم‏.‏

وقال أبو الهذيل‏:‏ لا يفسق إلا بأخذ خمسة دراهم من غير حلها أو بمنعها ولا يفسق في أقل من ذلك إلا سارق الدرهم بإباحة يده فقهاء من فقهاء الأمة‏.‏

وقال قائلون‏:‏ لا يفسق السارق لأقل من عشرة دراهم والخائن لأقل منها وإنما يفسق من سرق عشرة دراهم فصاعداً أو خانها‏.‏

وقال قائلون‏:‏ لا يفسق الخائن إلا في مائتي درهم وهذا قول النظام‏.‏

واختلفت المعتزلة فيمن لم يؤد زكاته على مقالتين‏:‏ فزعم هشام الفوطي أنه لا يكون مانعاً للزكاة إلا إذا عزم أن لا يؤديها أبداً فمن عزم أن لا يؤديها وقتاً ما فليس بضال‏.‏

وقال غيره من المعتزلة‏:‏ من منعها أهل الحاجة وقد وجبت عليه لزمه الفسق إذا منع خمسة دراهم على قول أصحاب الخمسة أو عشرة على قول أصحاب العشرة أو مائتين على قول أصحاب المائتين‏.‏

وأجمع أصحاب الوعيد من المعتزلة أن من أدخله الله النار خلده فيها‏.‏

فزعم بعضهم أنه يقال له آمن ولا يقال له مؤمن وهذا قول عباد‏.‏

وقال قائلون‏:‏ لا يقال آمن ولا يقال مؤمن‏.‏

وقال الجبائي‏:‏ يقال آمن من أوصاف اللغة ويقال مؤمن من أسماء اللغة‏.‏

واختلفت المعتزلة هل يعلم وعيد الكفار بالعقل أو بالخبر دون العقل على ستة أقاويل‏:‏ فقال بعضهم‏:‏ العذاب على الكبائر كلها الكفر منها وغير الكفر واجب في العقول وأن إدامته كذلك‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ ليس يجب هذا في كل الذنوب ولكن في الكفر خاصة‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ ليس يجب في العقول إلا التفريق بين المحسن والمسيء والولي والعدو والتفرقة تكون بضروب شتى منها تعذيب المذنب بعذاب لا ينقطع وسلامة المطيع من ذلك ومنها إفناؤه وإبقاء المطيع ومنها تفضيل المطيع في النعم ولله عندهم أن يعفو عن جميع المذنبين ويديم نعيمهم تفضلاً‏.‏

وقال بعض من يميل إلى هذا القول‏:‏ مظالم العباد لا يجوز العفو عنها إلا بعد عفو أهلها وإن لم يقع العفو منهم فالقصاص واجب فيها‏.‏

وقال عباد بن سليمان‏:‏ إن أهل العفو يعلمون أن الله سبحانه يجازي على كل ذنب كائناً ما كان حتى يفرق بين الفاعل وغيره ولا يعلمون ما ذلك الجزاء والجزاء والله يعلم ما هو وإن يكون إلا من قبل السمع‏.‏

وقال قائلون‏:‏ ليس يعلم عقاب الكفار إلا من جهة الخبر‏.‏

واختلفوا هل كان في العقل يجوز أن يغفر الله لعبده ذنباً ويعذب غيره على مثله أم لا على مقالتين‏:‏ فأجاز ذلك بعضهم وهو الجبائي وأنكره أكثرهم‏.‏

وأجمعت المعتزلة القائلون بالوعيد أن الأخبار إذا جاءت من عند الله ومخرجها عام كقوله‏:‏ ‏"‏ وإن الفجار لفي جحيم ‏"‏ ‏"‏ فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ‏"‏ فليس بجائز إلا أن تكون عامة في جميع أهل الصنف الذي جاء فيهم الخبر من مستحليهم ومحرميهم وزعموا جميعاً أنه لا يجوز أن يكون الخبر خاصاً أو مستثنى منه والخبر ظاهر الإخبار والاستثناء والخصوصية ليسا بظاهرين وليس يجوز عندهم أن يكون الخبر خاصاً وقد جاء مجيئاً عاماً إلا ومع الخبر ما يخصصه أو تكون خصوصيته في العقل ولا يجوز أن يكون خاصاً ثم يجيء الخصوصية بعد الخبر‏.‏

واختلفوا إذا سمع السامع الخبر الذي ظاهره العموم ولم يكن في العقل ما يخصصه ما الذي عليه فقال قائلون‏:‏ عليه أن يقف في عمومه حتى يتصفح القرآن والإجماع والأخبار فإذا لم يجد للخبر تخصيصاً في القرآن ولا في الإجماع ولا في الأخبار ولا في السنن قضى على عمومه وهذا قول النظام‏.‏

وقال قائلون‏:‏ إذا جاء الخبر ومخرجه العموم فعلى السامع لذلك أن يجعله في جميع من لزمه الاسم الذي سمي به أهل تلك الصفة الذين جاء فيهم الخبر ولا يعرف من يلزمه ذلك الاسم حتى يلقى أهل اللغة فيعفونه من الذي يلزمه ذلك الاسم فإذا علم ذلك من قبل أهل اللغة سمى به أهلها وقضى بعموم الخبر لمن لزمه الاسم وزعم قائل هذا أنه لو كان في معلوم الله سبحانه أنه يسمع الآية التي ظاهرها العموم من لا يسمع ما يخصصها لم يجز أن ينزلها إلا ومعها تخصيصها فلما كان في معلومه أنه لا يسمع الآية التي ظاهرها العموم والمراد بها الخصوص إلا من يسمع تخصيصها إذا نزلها أوجب على كل من سمع آية ظاهرها العموم ولم يسمع لها تخصيصاً أن يقضي على عمومها وهذا قول أبي الهذيل والشحام‏.‏

واختلفوا بأي شيء يعلم وعيد أهل الكبائر على ثلاثة أقاويل‏:‏ فزعم زاعمون أن ذلك يعلم من جهة التنزيل هذا قول أبي الهذيل وقال بعضهم‏:‏ ليس يعلم ذلك من قبل التنزيل ولكن من قبل التأويل وهذا قول الفوطي‏.‏

وقال الأصم أنه ليس من قبل التنزيل علم بذلك ولا من قبل التأويل ولكن من قبل أن أهل الفسق مشتومون عند أهل الصلاة ولا يكون أحد مشتوماً إلا وهو عدو لله ومن كان عدواً لله كان من أهل النار‏.‏

وأجمعت المعتزلة إلا الأصم على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الإمكان والقدرة باللسان واليد والسيف كيف قدروا على ذلك‏.‏

فهذه أصول المعتزلة الخمسة التي يبنون عليها أمرهم قد أخبرنا عن اختلافهم فيها وهي التوحيد والعدل والمنزلة بين المنزلتين وإثبات الوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏.‏

ذكر قول الجهمية الذي تفرد به جهم القول بأن الجنة والنار تبيدان وتفنيان وأن الإيمان هو المعرفة بالله فقط والكفر هو الجهل به فقط وأنه لا فعل لأحد في الحقيقة إلا الله وحده وأنه هو الفاعل وأن الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على المجاز كما يقال‏:‏ تحركت الشجرة ودار الفلك وزالت الشمس وإنما فعل ذلك بالشجرة والفلك والشمس الله سبحانه إلا أنه خلق للإنسان قوة كان بها الفعل وخلق له إرادة للفعل واختياراً له منفرداً له بذلك كما خلق له طولاً كان به طويلاً ولوناً كان به متلوناً وكان جهم ينتحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقتل جهم بمرو قتله سلم بن أحوز المازني في آخر ملك بني أمية ويحكى عنه أنه كان يقول‏:‏ لا أقول أن الله سبحانه شيء لأن ذلك تشبيه له بالأشياء وكان يقول أن علم الله سبحانه محدث فيما يحكى عنه ويقول بخلق القرآن وأنه لا يقال أن الله لم يزل عالماً بالأشياء قبل أن تكون‏.‏